الشهادتان معناهما وما تستلزمه كل منهما
الاقتصاد والتوسط في حقه صلى الله عليه وسلم
الأمر السابع : الاقتصاد والتوسط في حقه صلى الله عليه وسلم: رأس>
جرت سنة الله في خلقه بوقوع الإفراط أو التفريط، وأن كل أمة يقع منهم في الغالب غلو أو تقصير؛ لذلك حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته المتبعين له من الغلو في حقه وإعطائه شيئا من خالص حق الله -تعالى- ويتبين ذلك بما يأتي:
(1) أنه -صلى الله عليه وسلم- لم يخرج عن كونه بشرا، قال الله -تعالى- رسم> قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ قرآن> رسم> ؛ فبين أنه اختص بالوحي إليه فقط، وقال -تعالى- رسم> قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا قرآن> رسم> ؛ وذلك لما طلب منه المشركون أن يفجر الأرض أو يسقط السماء عليهم .. إلخ، فبين لهم أن الذي يملك ذلك هو ربه وحده، فأما هو فإنما تميز بالرسالة التي حمله الله إياها، وقد حكى الله عن الأمم السابقة طعنهم في رسالة الرسل بأنهم بشر، كما في قوله -تعالى- عن قوم هود اسم> أو صالح: اسم> رسم> مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ قرآن> رسم> وحكى عن المكذبين لمحمد اسم> -صلى الله عليه وسلم- أنهم قالوا: رسم> مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ قرآن> رسم> ؛ أي يسعى للتكسب وطلب الرزق، فأجاب عن ذلك بقوله: رسم> وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ قرآن> رسم> ؛ أي ليسوا ملائكة فإن البشر لا يتمكنون عادة من رؤية الملائكة، بل لو أرسل الله ملكا لما تمكنوا من مشاهدته حتى يتمثل في صورة إنسان فيقع الاشتباه، قال -تعالى- رسم> وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ قرآن> رسم> .
ولما وقع منه -صلى الله عليه وسلم- السهو في الصلاة ولم يذكروه ظنا منهم أن الصلاة قد قصرت، فقال: رسم> إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني متن_ح> رسم> متفق عليه حديث> ، ومتى كان الرسل بشرا فلا يناسب إعطاءهم شيئا من حق الله من صفة أو عمل.
(2) أنه -صلى الله عليه وسلم- لا يعلم الغيب، وإنما يخبر بما أخبره الله به وأوحاه إليه، قال الله -تعالى- رسم> قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قرآن> رسم> وقال -تعالى- رسم> قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ قرآن> رسم> وقال -تعالى- رسم> وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ قرآن> رسم> .
فالغيب لا يعلمه إلا الله -تعالى- وإنما يظهر بعض خلقه على شيء من ذلك كمعجزة وبرهان على صدقه، كما قال -تعالى- رسم> عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا قرآن> رسم> ؛ أي أنه -تعالى- يطلع من ارتضاه وهم رسله على أمور من الغيب مما سبق أو مما يأتي، ولا ينافي ذلك قوله -تعالى- رسم> قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ قرآن> رسم> .
فإن ما وقع من الإخبار في الأحاديث عن الأمور المستقبلة هو من الوحي الذي أطلع الله عليه رسوله -صلى الله عليه وسلم- بواسطة الرسول الملكي، أو بما فتح الله عليه وألهمه، ومتى كان هذا وصف النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن قبله من الرسل، لم يصلح أن يصرف لهم شيء من حق الله الذي هو عبادته وحده، ولا أن يوصفوا بما اختص به الرب تعالى، رسم> فقد أنكر -صلى الله عليه وسلم- على الجاريتين اللتين عند الرُّبَيِّع بنت معوذ اسم> قولهما: وفينا نبي يعلم ما في غد رسم> رواه الترمذي اسم> حديث> ، وقالت عائشة اسم> -رضي الله عنها- رسم> من حدثك أن محمدا يعلم في ما في غد فلا تصدقه متن_ح> رسم> رواه البخاري اسم> حديث> ، وورد في حديث جبريل اسم> -عليه السلام- لما سأل عن الساعة قال النبي -صلى الله عليه وسلم- رسم> ما المسئول عنها بأعلم من السائل، وسأحدثك عن أماراتها؛ إذا ولدت الأمة ربها، وإذا رأيت الحفاة العراة رعاة الشاة يتطاولون في البنيان، في خمس لا يعلمهن إلا الله، ثم قرأ: إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت متن_ح> رسم> متفق عليه حديث> ، وهذه الخمس يعني مفاتح الغيب المذكورة في قوله -تعالى- رسم> وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ قرآن> رسم> .
فمن ادعى العلم بشيء منها أو نسبه إلى بشر فهو كاذب. مسألة>